مصر.. الوحيدة القادرة على إنقاذ ليبيا من المستنقع السوري





الجميع يعلم أن أمريكا هي من دعمت ومولت تنظيم "القاعدة" في أفغانستان خلال حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي، والجميع يعلم أن عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، هم تلاميذ وصبية بن لادن الذين انقلبوا على خلفائه، وأرادوا الاستئثار لأنفسهم بالسلطة والثروة، والجميع يعلم أيضا أن أبو بكر البغدادي، زعيم آلات القتل المزروعة في العراق والشام، كان مسجونًا في أحد السجون الأمريكية في العراق، وتم الإفراج عنه مع آلاف المتطرفين عام 2010، والجميع يعلم أن بدايات الثورة السورية كان من الممكن أن تسير وفقًا لما جرى في مصر وتونس، على ما فيهما من مشاكل، لولا تسلل عناصر تنظيمات القتل باسم الدين بين صفوف المعارضة، وسيطرتهم على مجريات الأحداث التي تحولت في زحام انشغال دول الجوار العربي في ترتيب أوراقها وأوضاعها الداخلية، إلى حرب طاحنة، تحصد الأرواح في كافة البقاع السورية، وتستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة القادمة من أوروبا وأمريكا، لتغرق العزيزة سورية طاحونة قتال لا يعلم أحد متى ولا كيف ستتوقف.
هكذا تماما، يسير الوضع في الجارة الليبية بخطى متسارعة باتجاه السيناريو السوري الكارثي، خصوصًا بعد أن لعبت المصالح السياسية المتنازعة لعبتها، ونجحت في اقتناص موطئ قدمٍ لتنظيم "داعش" الإرهابي بداخل الأراضي الليبية.
معطيات الموقف الليبي تكاد تتطابق مع عناصر نشوء الأزمة السورية، إلا من نقطة جوهرية ربما تحسم المعركة لصالح إنقاذ الدولة الليبية من الجحيم الذي دخلت سورية دواماته، وهي وجود القوة المصرية في الجوار، وإصرار القيادة السياسية المصرية الكامل على تجنيب ليبيا ذلك المصير، على العكس من تركيا التي لعبت دورًا شيطانيًا في إشعال النيران السورية، سواء عبر تسريب السلاح، والسماح بتسلل آلات القتل المدربة القادمة من القارة الأوروبية، عبر أراضيها إلى الداخل السوري، ليتحول عناصر التنظيم الإرهابي، المفرج عنهم من السجون الأمريكية في العراق، إلى تنظيم مسلح بأحدث المعدات، حاصل على تدريبات قتالية متقدمة، وتمويل سخي من عائدات بيع النفط، ومصادر أخرى لا تعلمها إلا أجهزة الاستخبارات.
الموقف المصري يبدو واضحا وحاسما، وبحسب كلمات مصدر أمني مصري رفيع لوكالة "رويترز" صباح الأربعاء الماضي، فإن "هدفنا ليس احتواء الارهابيين بالغارات الجوية.. هدفنا هو القضاء على الارهاب في ليبيا."
بغير هذه الإرادة لن تخرج ليبيا سالمة من دائرة الفوضى التي تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا على نشرها في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا مع حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد الضربة المصرية لمعاقل التنظيم الإرهابي في ليبيا، عن "الحل غير العسكري للأزمة"، وهو الذي طالما فاوض مصر على الانضمام إلى "حله العسكري" في سورية.
وهو ما كرره في تقريره لاستراتيجيته للأمن القومي، والتي أرسلتها إدارته إلى الكونجرس في الأسبوع الأول من فبراير، ليأتيه الانتقاد داخليا، إذ قال جيمس جيفري، المحلل السياسى البارز بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تعليقا على التقرير: "إن عبارة "الحل غير العسكري" ليست سوى خطاباً فارغاً، فصحيح أن أي عمل عسكري يجب أن يلتزم في نهاية المطاف بالمنطق السياسي، إلا أن العمل العسكري يمكن أن يعزز من الأهداف السياسية بطرق متعددة. فمجرد التهديد الذي يشكله له آثار سياسية على الأصدقاء والأعداء، كما أن تأثير العمليات القتالية، أي إلحاق الألم والاستيلاء على الأراضي والتهديد بنزع سلاح الخصم، يولد أيضاً نتائج سياسية."
قد يتصور أوباما كما جاء في تقريره بأنه "ليست كل مشكلة عبارة عن مسمار عرضة للحل بمطرقة عسكرية، وأن الاقتصاد القوي والدبلوماسية عاملان مهمان للأمن"، ولكن ما لا يعرفه الرئيس الأمريكي، أو يغفل عنه، أن بعض المشاكل هي بالتأكيد عبارة عن مسامير، لا يجوز التعامل معها إلا بحل من اثنين، إما الطرق عنيفًا حتى تختفي تمامًا، أو انتزاعها من جذورها.. أيضا بعنف.
ومصر وحدها هي من يملك المطرقة القادرة على الطرق بقوة فوق المسامير الأمريكية المتناثرة في ليبيا، وهي وحدها من يستطيع انتزاعها، ومن تستطيع تجنيب الجارة ليبيا مأساة تكرار سيناريو المستنقع الجهنمي الذي غرقت فيه سورية، بتواطؤ كامل من جارتها تركيا، وحلفائها في الولايات المتحدة، وأوروبا، ولا أحد يعلم متي تخرج منه.

تعليقات