ليغضب صديقي الشاعر عماد فؤاد، أو ليتخذ ما شاء من ردود
الفعل، لكن الكتاب الذي أصدره مؤخرا بعنوان "ذئب ونفرش طريقه بالفخاخ.. أنطولوجيا
النص الشعري المصري الحديث"، لا علاقة له بالأنطولوجيا كعلم، ولا بالمعرفة،
ولا يمكن لمثلي أن يتعامل معه إلا كعمل ٍكاشفٍ، وفاضحٍ لبؤس الثقافة العربية،
والمثقفين المصريين والعرب. ولا أعرف كيف قرأ الشاعر و"المترجم" المعروف
رفعت سلام هذه "المختارات"، وكتب لها مقدمة مستفيضة، تبدو متعمقة، دون
حتى أن يسأل نفسه عن معنى كلمة "أنطولوجيا"، وهو وثيق الصلة بالثقافة
اليونانية، ونشر كتبا مترجمة عنها، والأرجح أنه اعتمد التوصيف الذي استقر عليه
كتاب عرب آخرون، أصدروا كتبا مماثلة بذات "الخطأ الفادح".
بدأت رحلة "الجهل الكسول" في إنتاج "الأنطولوجيات" العربية منذ 2007، عندما أعلن الشاعر الأردني المقيم في رومانيا، منير مزيد، عن طباعة
"أول أنطولوجيا للشعر العربي المعاصر"، وقالت تقارير صحفية أنها تضمنت
11 قصيدة له. ليأتي بعده بعام واحد، الشاعر العراقي المقيم في الدانمارك، منعم
الفقير، ليصدر ما أسماه "انطولوجيا الشعر الدنماركي" بدعم من المعهد
الدنماركي المصري للحوار، واتحاد الكتّاب الدنماركيين، وهي المختارات التي أشرف
عليها وحررها الفقير، وترجم قصائدها بالمشاركة مع مي شحادة جلبي، وتضمنت قصائد له.
وفي 2011 كتب العراقي، المقيم في الدانمارك، أسعد جبور، أنه انتهى من إعداد ما
أسماه "انطولوجيا الشعر العربي"، وترجمها أيضا.. وغيرها الكثير من المختارات التي لم يكن يليق أبدا بباحثٍ جادٍ، أو حتى مجرد مهتم بالمعرفة، إلا أن يسميها باسمها.. "أوانطالوجيات" تستدر التمويل، والتهليل، بين قطيع من الكسالى، والهانئين بالنوم في فراش الجهل.
ما نشره عماد، مختاراتُ محبٍ للشعر، أو شاعر، لقصائد عدد
من مجايليه، وأصدقائه، وأساتذته، لا أكثر ولا أقل، وإن أردنا "العناوين
المتثاقفة"، فإن اسمها "أنثولوجيا"، أو كما ظهر
"بالإنجليزيه" على غلاف ترجمة منعم الفقير لمختاراته من الشعر
الدانماركي "Anthology". وإلا فإنه ما كان ليحصل
على تمويل الترجمة والنشر، فالأرجح أن الممول الدانماركي يعرف الفارق بين
"الأنثولوجيا" و"الأنطولوجيا"، وهو فارق لو تعلمون عظيم،
وكاشف لما يصيب المثقفين العرب من "جهل كسول".
الأنثولوجيا ياسادة، هي المختارات الأدبية، أو المقتطفات
الأدبية المختارة، وهي مجموعة منتقاة من الأعمال الأدبية للكاتب، أو لعدة كتاب، أو
لكتاب جيل واحد، أو عدة أجيال، يتم تجميعها من قبل المؤلف الذي يقوم باختيار
الأعمال وتنسيقها.
وقد تكون الأنثولوجيا مؤلفة من مجموعة من القصائد
الشعرية المنتقاة والمنسقة، أو القصص القصيرة، أو المسرحيات، أو الأغاني، وأحياناً
المقطوعات الموسيقية، وقد تصل "بمعنى غير حرفي" إلى ألعاب "الفيديو
جيم"، والتي يتم انتقائها دون غيرها لاشتراكها بميزة ما، كالموضوع المشترك،
أو النوع الأدبي، أو الأسلوب، أو اللغة، أو كون كٌتّابها ينتمون إلى منطقة واحدة.
وفي حال شملت الأنثولوجيا كافة أعمال أحد المبدعين يطلق
عليها مسمى"الأعمال الكاملة"، وقد دخلت الكلمة إلى الإنجليزيه في القرن
السابع عشر، قادمة من اللغة اليونانية، وتعني "باقة الزهور"، ويعود
أصلها إلى أول "انثولوجيا" معروفة في العالم، وهي التي كتبها الشاعر
اليوناني "سوري المولد" ميلياجروس الغَداري بعنوان "الإكليل"،
أو " the garland"، وهي تكاد تكون أول
أنثولوجيا على الإطلاق من حيث الشمولية والإحاطة الواسعة. إذ جمع ميلياجروس في
أنثولوجيا الإكليل مجموعةً من الإبيجرامات لستةٍ و أربعين شاعراً من اليونانيين، وممن
يكتبون باليونانية، إذ حرص على الجمع بين شعراءٍ جاؤوا قبله وآخرين عاصروه. وقام
بتشبيه أنثولوجياه بباقة الزهور، تمثل كل قصيدة فيها زهرة.
أما "الأنطولوجيا"، "ontology"، التي يصور "الجهل
الكسول"، لأصدقائنا "الشعراء"، و"الصحفيين"،
و"المترجمين"، من مزيد، إلى الفقير، إلى جبور، إلى فؤاد وسلام، وغالبية
المحتفين بالكتب الأربعة، منذ 2007 إلى اليوم، أنها تلك المحتارات البائسة، فهي
كلمة يونانية، بمعنى "الكينونة"، وتقول الموسوعة العربية إنها: "علم
الوجود، وهو أحد مباحث الفلسفة، العلم الذي يدرس الوجود بذاته، الوجود بما هو
موجود، مستقلاً عن أشكاله الخاصة، ويُعنى بالأمور العامة التي لا تختص بقسم من
أقسام الوجود، الواجب والجوهر والعرض، بل تعمم على جميع الموجودات من حيث هي كذلك،
وبهذا المعنى فإن علم الوجود معادل للميتافيزيقا، أو ما بعد الطبيعة metaphysique. فهو نسق من التعريفات الكلية
التأملية في نظرية الوجود عامة. وكان أرسطو أول من أدخل مفهوماً عن مثل هذه
النظرية التي عنى بها العلم حول أعم قوانين الوجود «علم الوجود بما هو موجود»، أو "الدراسة
الفلسفية لطبيعة الوجود"، وهو أحد الأفرع الأكثر أصالة وأهمية في
الميتافيزيقيا. إذ يعمل على البحث فى كشف طبيعة الوجود اللامادي فى القضايا
الميتافيزيقية المترتبة على التصورات أو المفاهيم والقوانين العلمية، مثل المادة،
والطاقة، والزمان، والمكان، والكم، والكيف، والعلة، والقانون، والوجود الذهني،
وغيرها، لأنه يدرس الكينونة "being"، أو الوجود "existence"، إضافة إلى أصناف الوجود الأساسية، في محاولة لتحديد وإيجاد
أي كيان أو كينونة "entities"، وأي أنماط لهذه الكينونات الموجودة في الحياة، وإن تغيرت
بعض مفاهيم الأنطولوجيا في تسعينيات القرن الماضي تماشيا مع تطور العلوم، لتدخل في هندسة
البرمجيات والمعلوماتية، لكنها، على حسب علمي، لم تصل بعد إلى مرحلة
"الأوانطالوجيا".
ملحوظة أخيرة:
"avanta" كلمة تركية، تعني منفعة، أو مصلحة، و"avantaci" تركية أيضا، وتعني محتال، وأظن أن
موضوع اضطلاع الشعراء العرب المقيمين بالخارج بهذه "الأنثولوجيات" كفيل
بإمتاع أصدقائهم من الصحفيين، والنقاد، والكتاب، بجرعة "طيبة" من
"الجهل الكسول".. عفانا الله وإياكم منها، ومنهم.
تعليقات