دائما
ما كنت أردد لزملائي وأصدقائي أنني "صنايعي".. أحب هذه الصفة، وأستمد
منها قوة ليست متوفرة لكثيرين. فالصنايعي، في تصوري، هو من يعرف مهنته، يحبها،
يؤمن بها، ولا يتوقف عن تعلم أسرارها، وتجويد أدواته لممارستها.
ودائما
ما كنت أردد لهم أنني لهذا لست بحاجة إلي أي كيان نقابي، أو تجمع مهني، يحميني من
احتمالات التعرض للفصل التعسفي، أو الاستغناء عن خدماتي.
ودائما
ما كنت أتصور أنك إذا كنت "صنايعيا" بجد فلن يجرؤ صاحب عمل علي التضحية
بك، أو الاستغناء عن خدماتك.
قوة
العامل في صنعته، في حبه لموقعه، وعلاقته بالماكينة التي يعمل معها، وفرحته برؤية
ما صنعت يداه.. ليست في البيع، أو التواطؤ ضد زملائه، ورفاقه في التعب، والكد،
وأيام الشقا.
ولأن
الواقع الآن يؤكد أن أصحاب العمل الحقيقيين في مصر قليلون للغاية، وربما كانوا من
الندرة بحيث يمكن عدهم علي أصابع اليد الواحدة، كان لابد أن يحدث ما نراه الآن، من
تعسف في التعامل مع العمال، وتحايل علي إرادتهم، وتلاعب بحياتهم ومصائرهم.. فلا
البلد تهمهم، ولا حتي أعمالهم التي يتربحون منها، لأنهم ببساطة اختاروا من البداية
أقصر طريق للثراء، ولأنهم ببساطة يتربحون من أعمال أخري، لا علاقة لها بالإنتاج أو
الجهد أو العرق.
ولأنهم
ببساطة لا يعرفون ما يقدر هؤلاء العمال علي صنعه، وما في أيديهم وقلوبهم من شدة
وبأس.
ربما
يصبرون علي الفقر، يقاومون الجوع، ولا يهزمهم المرض.. لكنه صبر القوي، القادر علي
الإطاحة بناهبي قوته وقوت أولاده.
وربما
أدرك الآن، لماذا كانت تهزني أناشيد العمال في الستينيات، ومازالت، ولماذا أجدني
منتشيا كلما استمعت إلي المجموعة وهي تردد: «إحنا الصنايعية، إحنا الأمل والغد، في إدينا شدية، تظهر في وقت الجد.. نشعل
في يوم المعركة ثورة، ونغني في يوم السلام موال».
وأجدني
جادا جدا في نصيحتي لرجال النظام وأعوانه: "لا تتقوا شر العمال إذا
غضبوا".. فربما يتحول الغضب إلي ثورة تريحنا منكم ومن أيامكم السوداء.
"هذه المقالة كتبتها في 2008.. وبعدها بثلاث سنوات جاءت ثورة يناير.. وهاهم "لصوص الأعمال أنفسهم يكررون نفس الأخطاء.. ليظل السؤال الأبدي.. هو فيه غباوة أكتر من كده؟
تعليقات